مليش في السياسة

0
89

لم أكن ابداً من محبين السياسة، لم أهتم بفهم أمور البلاد الاقتصادية والأوضاع الأمنية والاستراتيجية وكل المصطلحات الكبيرة غير المفهومة المتكررة على لسان الإعلاميين وضيوفهم في برامج التلفزيون غير الحيادية ابداً و المنحازة دائماً للنظام السائد المسيطر في الدولة سواء كان جيد أو نقيضه

النقاشات في العمل بين اصدقائي عن أحداث البلاد لم تثير انجذابي ابداً، حتى وأن كانت تمسني بطريقة ما أو تخص أوضاع فئة معينة أنتمي إليها، حتي لو استفزني الحوار، حتى لو ذكرت معلومة خطأ أمامي، دربت نفسي كثيراً على التجاهل وأن لا داعي للتدخل، ففي النهاية كل هذه الجدالات لن تصل بينا لشئ ولن يغير أحد أطراف النقاش وجهه نظره مهما قدمت له من أدلة وحجج منطقية ومثبته، فكل منا له معتقداته الخاصة المرسخة في ذهنه منذ الصغر ويصعب تغييرها من مجرد نقاش منفعل وكلمات مضادة لـ رأيه.. 

فأنا أحاول أن أكون شخص سلمي، أو في الحقيقة وبوصف أكثر صراحة يمكن أن أطلق على نفسي “جبان” بدلاً من تجميل الوضع بـ كلمة “سلمي”، فأنا أحاول أن أبقى في الجانب الـ أمن دائماً، لم أرى ابداً فائدة حقيقة من الكلام و الجدالات إلا الضرر، ولم أرى أن في استطاعي تغير اي شئ مهما تكلمت وتناقشت مع الآخرين، فأنا حتى أن أردت فليس لدي ما يكفي من وعي أو العلم الذي يجعلني مهيأة كي أدافع عن القضية والنقاش الجاد المثمر في السياسة أو غيرها، لم يعلمني أحد أو يشرح لي هذه الأمور وأنا لم أهتم أن أبحث أو اسأل، تربيت على أن يوجد خطوط حمراء لا داعي أن أتخطاها و أؤذي نفسي.

ولكنِ كنت دائماً مهتمة بالعدل والإنسانية والحرية والحقوق والأقليات والمظلومين وبلا مأوى والمرضى والمعنفين وأطفال الشوارع..

وبطريقة أو بأخرى المطالبة بحقوق هؤلاء المهمشين والمضطهدين تمس السياسة من اتجاه ما.

فحين أحاول أن أطالب أو اتكلم عن هؤلاء المظلومين أجد نفسي مضطره لذكر أوضاع البلد التي لا تسر عدو ولا حبيب، وجدت نفسي أقع في ما كنت أحاول تجنبه طوال الوقت، حاولت أن أكون ذكية ولا انتقد أي وضع لا يعجبني وأحاول أن انتقي كلماتي كما أحاول الآن، وأحاول أن أهتم بالجزء الإنساني فقط دون الدخول في تفاصيل أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية.. ولكن تحول الأمر في النهاية اني أصبحت صامتة مستسلمة، او كما يقولون أصبحت أمشي جنب الحيط.

ولكن في الحقيقة الوضع أصبح جنوني ومخيف، حتى غير المهتمين بالسياسة حتى الجبناء مثلي لم يسلموا لم يعيشوا في أمان أيضاً مهما حاولوا الصمت مهما حاولوا ان يمشوا جنب الحيط.

أصبحت أمشي في شوارع خائفة أصبحت أتخيل وارسم سيناريوهات وكيف سوف اتصرف لو حدث كذا أو حدث كذا، أصبحت أكلم كل من أحبهم وأقول لهم احتياطات الأمان والحرص على أنفسهم وهواتفهم وكلماتهم ومنشوراتهم ومشاركة آرائهم.

أشعر بالرعب على نفسي وعلى كل من أحبهم، ولا أستطيع حتي أن أعلن ذلك بكلمات واضحة وصريحة، حتي الكلمات الخائبة الجبانة التي استخدمها يمكن جداً أن تكون سبب في اذي بطريقة أو بأخرى.

فما الجدوى من كل هذا، ما الجدوى من هذه الحياة معدومة الحرية والأمل والأمان.

المقالة السابقة“جائزة نوبل للأدب 2019 : فوز مزدوج وكثير من الترقب”
المقالة القادمة“وطن إسمه مصر”

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا